سعيد العلاوي
ثرثرة الذاكرة و إرهاصات المكان
قراءة / محمد الشهدي
الذاكرة المستودع هي شيء مشترك بين الكل الإنساني . . وتظل الخصوصية هي اليد الطويلة في إصباغ التباين بين فضاء ذاكرة وآخر . . و بين الملامح المختلفة للشيء الواحد كأن يكون طرح المكان موحد بين أكثر من فنان ولكنهم لا بد وأن يختلفون في ملامح المكان الواحد . . وهذا الاختلاف هو الذي يفترض تواجده والذي يحدد بصمة فنان من آخر . . وإذا توقفنا عند الذاكرة المكانية هذه فإني أكون بمحاذاة ما أتحسس الخوض فيه منها وهو شقها العمراني . . هذا الذي إذا ألبسناه _ في حديثي هذا _ حلة تشكيلية فسيكون لدينا تكوين ثنائي ثري بامتياز . . وذلك لأكثر من سبب من أهمها انتماء الشقين إلى خط فني متقارب . . وكذا أنهما يخضعان لمقاييس مشتركة كثيرة على مستوى المنظور . . وهذا ما يجعل مسرح التفاعل من الثراء بمكان حيث يكون الوضع هو إسقاط متبادل . . التشكيلي في اتجاه العمراني أو المعماري والعكس صحيح جدا . . فأغلب ملامح الطرح العمراني تتسلق قالب الذاكرة لتتجسد من طرف الفنان التشكيلي كتأريخ أو إلى كذاكرة منظورة وغير محتكرة في بواطننا . . وبحكم ارتباط المرء الحتمي بذاكرته يكون المكان على ناصية هذا الارتباط. . وتكون المساكن في هكذا حالة هي سيدة التأريخ وعمود الذاكرة الفقري . . ويكون من البديهي أن يضم مشهد كالفن التشكيلي وفي كل بلد ثلة ممن يسلكون درب التأريخ من خلال التشكيل . . وإذ بنا داخل المشهد السعودي فإن للمملكة باع طويل في ذلك . . خاصة وأن شعبها ورغم المدنية المكتسحة للمعمور إلا أن نسبة الارتباط بالموروث وخاصة المكاني هو بكثير أقرب للعذرية من غيره . . لأصل بتربصي الكلامي هذا لغاية في نفسي وهي تخص أحد راكبي موجة المعمار تلك . . ليكون سعيد علاوي جنين رحم هذه الوقفة وأكون أنا في خانة الجماهير التي لا تنفصم عرى رؤيتها الفنية عند هذا المنحى التشكيلي _ أكرر _ لاعتبار أنه شأن مشترك على المستوى الإنساني العاطفي بين كل البشر . . فمن هذا إلى ذاك من الفضاءات الفنية العمرانية التي يقتبسها العلاوي من مخزونه من خطابه الذاكراتي الذي تسكن لبه العميق صفحات شبه الموحدة في بعدها الحنيني . . إلى الإقرار بأن العلاوي الذي لا يمتطي في طرحه ذلك الإغراق المداريسي حتى داخل الوحدة الواحدة كالعمران مثلا مبدع متمرس قادر على التفاعل مع خط بياني غير مبيت له . . أي أنه يقسّم فضاءاته وفقا للحظة الوعي الخلاقة التي تملي عليه في التو واللحظة شكل المنتج وخطوط إنتاجه . . ولا توجد هناك شفرة وراثية تجمع بين الأعمال لحد التطابق أو التواصل المفرط فيه . . فلا تقسيم الفضاء ولا الإسقاط اللوني ولا الخطوط التي تأخذ راحتها العلاوي في إبراز فيزيائية البناء من المكان . . حتى عندما يكون هذا المكان باردا ومسطحا وبلا تضاريس . . كل هذه الأشياء بالمفرد أو مجتمعة تصب في خانة وقوفنا أمام فنان قد لا يعير اهتماما للاستعارات الفكرية على اعتبار أن ما يبرؤه من ذلك هو أن وجبته الفنية في شقها العمراني إنما هي قراءة مستحدثة من الفنان سعيد علاوي لثروة الذاكرة العمرانية . . وبالتالي فقاموس التفاعل مع هكذا منحى قد لا يتطلب من بين ما يحتاجه من الأدوات تلك الاستعارات الفكرية رغم أن في بعض أعماله التي تلامس التجريد بشكله المطلق لا تخلو من تلميحات قد تخص الفكر أو على الأصح أنها لابد وأن تتزامن مع التجريد في أعمال العلاوي أو غيره. . ولكن هكذا مباشرة في التقييم إنما هي من صلاحية العلاوي دون سواه خاصة وأني آخذه هنا في بعد إبداعه المعماري . . هذا الشق من الخطاب عند سعيد والذي لن يعيبه أن يكون فيه من المباشرة الشيء الكثير . . إنما هو خطاب لامس الذات الإنسانية على الدوام وسيظل كذلك . . خطاب نحب أن يكون أمامنا بين الفينة والأخرى لأننا طرفا مؤسساً فيه وله . . ليستفز ذاكرتنا وليتولى مهمة إحضار الذي مضى مع مد الأيام و جزرها . . هكذا هي الأدوار وتوزيعها على الفنانين . . وعلاوي من الذين أقل ما قد تأخذه منه هو ذاك التحيز في اتجاه الدفء من خلال العاطفة وبها . . وكأني به يتربص بضعفنا من خلال الحنين المشترك إلى الموروث _ حتى القريب منه _ ليقف بتأويلاته الشكلية وعناصره الحركية منها واللونية على نقطة ضعفنا . . ويجبرنا على قراءة هذه الجهة من الذاكرة ذات اللون المعماري بمنظور جد خاص . . هو نفسه سعيد العلاوي الذي أجبر لحنة المنقبين عن هوية النجاح في المسابقة ولم يكن لهكذا هوية أو عنوان غير الفنان سعيد علاوي . . هذا الذي أحب فيه _ على المستوى الشخصي _ إغراقه في البساطة والتلقائية والحميمية . . كما سأحب فيه أكثر أن لا ينتظر مني التهنئة بمنظورها التقليدي التقيدي . . لأنها ببساطة تعني عندي إلى حد بعيد شيئا كالنهاية على قياس النوبيليون في الأدب . . وكذلك لأني أنتظر منه أن يعتبر صدى هكذا تفوق إنما هو صافرة بداية جديدة لعمق آخر من الإبداع . . ومع ذلك (( مبروك يا سيد علاوي ) ) .
No comments:
Post a Comment