يأخذنا الفنان سعيد العلاوي بخطوطه المنحنية والمتعرجة إلى الأعلى كأنها هامات نخيل الحجاز الباسقة ، يختزلها سعيد من العقل اللاوعي كانعكاس حقيقي وصادق لما يمكن روحه من مكنونات ليطرحها لنا ، عمل جميل يحمل هوية رائعة أحيانا بدرجات الأزرق التي هي انعكاس لشيء من الذاكرة ، وأحيانا بألوان ترابية تعكس ارتباطه بالأرض التي نما ونشأ عليها ، فتصبح الرواشين
عنده أيقونة دائمة ينظر منها إلى آفاق أبعد .
في هذا المقال أحاول أن أسجل إعجابي بالفن الجميل الذي تنتجه أنامل هذا الفنان الصادق
يمتلك الفنان سعيد العلاوي العديد من المقومات التشكيلية التي تجعل منه فنان تشكيلي ناجح وأهم هذه المقومات هو الصدق في الطرح والتلقائية في التعبير والسعي الدائم إلى الموائمة بين الماضي والحاضر .
فبالصدق يستطيع الفنان أن ينتشل مواضيعه بتلقائية ويطرحها بطريقة مباشرة بدون تفكير وتمحيص ، فالصدق هنا هو العقل الواعي الذي يحدد الموضوع المراد رسمه والصدق هنا هو اللاشعور الذي يحدد ملامح وعناصر هذا الموضوع والصدق أيضا هي الأنامل التي تنتقي الألوان المناسبة للطرح عندها تظهر العفوية لتحدد اتجاه الخطوط ومدى انكسارها أو ليونتها وميلانها أما التلقائية في التعبير والتي تعدُّ الجسر الذي تمرّ من خلاله شحنات الفنان التشكيلية لتصل إلى بياض سطح اللوحة.
العلاوي يعيد رسم ما تعلق بالذاكرة من نوافذ وأبواب ومشربيات يستمع لذاكرته بإنصات لها غير آبه لما قد يثير اهتمامه من عناصر ورموز معاصرة قد روّج لها كثير من الفنانين .
فهو هنا يصر على رموزه ويصر على إطلاقها من دواخله فيحولها إلى حمائم يدفعها إلى الطيران متى أحسّ بحاجته للرسم فتحطّ على سطح العمل كما هي بدون رتوش.
أمّا قدرة العلاوي على الموائمة بين الماضي والحاضر فهي هاجسه الدائم وأسلوبه في التشكيل فالناظر إلى أعماله يشعر للوهلة الأولى بأنها عصرية وبمساحات لونية متجاورة فيها من الثراء اللوني الشيء الكثير وفي نفس الوقت تحوي العديد من الصور والرموز التراثية والشعبية فالهرموني اللوني قد وزّعه الفنان بطريقة تصميمية مدروسة فأحيانا تجده يضع اللون ويقابله بمكمله وأحيانا يلوّن محاوره الرئيسية بلون ساخن لكي يستثير العين ويحثها عليه وفي نفس الوقت يعطي المساحات الخلفية شيئا من الألوان الباردة الشفافة التي قد تدفع باقي العناصر إلى الأمام وتؤكد عليه .
بالإضافة للمقومات السابقة فالفنان العلاوي فنان مثابر وصاحب رؤية لها حضورها في الساحة الخليجية والعربية تتمحور رؤيته هذه حول الهوية التشكيلية الإسلامية فيتساءل دائما كيف ومتى وأين يستطيع الفنان المسلم أن يطرح قضاياه وأفكاره ورؤاه للآخر دون الاستعانة بأساليب مستورده ولغة متكررة ؟؟
هنا يصبح الفن التشكيلي الموشح بهوية إسلامية ضرورة ملحة ومصير حتمي عند الفنان سعيد العلاوي فالتشبث في الهوية تمثل له مركب الأمان وطوق النجاة في بحر التشكيل في وقت تتلاطم فيه أمواج الأساليب الفنية المقلّدة في محيط التغيّر الدائم .
ومع التمسك بالهوية التشكيلية الإسلامية يصر الفنان سعيد العلاوي على التجديد والابتكار في لوحاته فالتركيبات اللونية التي يطرحها من وقت لآخر وإيجاد حلول جديدة لمنظور اللوحة تعدّ بمثابة دماء جديدة يضخّها الفنان في لوحاته بغرض إمتاع المتلقي وشد انتباهه بروية وهدوء لإقناعه بالمفردات الجمالية الممتعة لكي تكون الفكرة مرتبطة بذهن المتلقي فترة أطول وخاصة لأنها قد تلازمت برموز جمالية أخّاذة .
إذا فالفنان العلاوي يمتلك أدواته التشكيلية ( عناصر التكوين ) بشكل جيد ولديه قدرة على استخدامها وفقا لقواعد تصميمية لا تشكل له عبئا ، فمن ناحية التكوين فيبدوا أن سعيد العلاوي يميل إلى التكوين الرأسي مستخدما أغلب الأحيان الخطوط العمودية المستقيمة والمتعرجة من قاعدة العمل إلى الأعلى ومن المعروف أن الخطوط الرأسية خطوط تعطي إيحاء بالثبات والرسوخ وقد ساعد ذلك الفنان عند رسمه للبيوت القديمة الشامخة وبذكاء فني يصر سعيد على رسم هذه الخطوط وتجميعها في منتصف اللوحة مؤكدا وسط العمل كمحور يختزل العين ويجبرها على التأمل في مكنونات العمل والاستمتاع في ذات الوقت بشفافية المساحات اللونية المجاورة والمؤطرة لكثير من أعماله.
ويستمر العلاوي في استخدام أدواته بشيء من المهارة ويظهر ذلك جليا عند توزيعه للكتل المعتمة والمساحات المضيئة في أعماله فتجده يوزعها بشكل جيد تجذب العين بحيث لا يكثر من الكتل المعتمة فتنفر العين ولا يكثر أيضا من الفواتح فتفقد أعماله التباين المطلوب ومن جهة أخرى يثير العلاوي عيون المتذوقين لأعماله بالملامس المتنوعة والثري فملمس الجدران التي يرسمها تختلف عن ملامس النوافذ أو المساحات الأخرى وتختلف باختلاف الحالة الشعورية التي يمرّ بها حينما يرسم فقدرته على استخدام وتوزيع الألوان تعدّ بمثابة تلخيص لنظرية اللون بأسرها ويتبين ذلك في قدرته على استخدام الألوان في أماكن معينة فمثلا عندما يرسم بلون في جهة نجده يرسم بمكمل هذا اللون في جهة أخرى وعندما يلون العناصر الأساسية بألوان ساخنة نجده يرسم خلفياته بألوان باردة أو بإشباع لوني اقل ويفضل سعيد العلاوي العمل بألوان محددة ( بالته واحدة) قد اختارها بشيء من التأني مستعينا بقدرته على إيجاد متوافقات لونية تخدم الموضوع الذي يود طرحه ففي كثير من لوحات حارات جدة القديمة نجده يستخدم الألوان الترابية في رسم البيوت والنوافذ والمشربيات واللون الفيروزي المائل للأزرق للخلفية التي تمثل السماء والأفق.
كل هذه الهندسة التشكيلية في تسخير الأدوات التشكيلية كالخط والملمس واللون وغيرها مكّنت سعيد العلاوي من الحصول على قيم جمالية تشكيلية مثيرة للعين وجذّابة كالنغم الذي يكرره عادة عند رسمه للوحدات الزخرفية الحجازية التي ينثرها من الأعلى أحيانا على شكل مثلثات متدرجة في الحجم والتي ينفثها في وسط اللوحة أحيانا على شكل ( منمنمات) إسلامية فتتلاشى في فضاء اللوحة مكون’ نغم وموسيقى مثيرة للعين تكاد تنطق بإيقاعات حجازية لها وقعها الخاص على العين وهذه الأدوات أيضا ساعدته على إيجاد التوازن المطلوب في معظم أعماله توازنا ليس بالسمتري إنما توازن يعتمد على توزيع الكتل المعتمة والمضيئة وتوزيع الألوان .
أمام لوحات الفنان سعيد العلاوي تصبح العين قادرة على الاستماع إلى نغم الهوية العربية الإسلامية وتصبح الأذن قادرة على رؤية التفاصيل الدقيقة لتراث الحجاز التليد نثبت لنا قطعا بأن الفنان سعيد العلاوي فنان من الزمن الشفيف .
بقلم الأستاذ / سلمان الحجري
مدرس بقسم التربية الفنية بجامعة السلطان قابوس
عنده أيقونة دائمة ينظر منها إلى آفاق أبعد .
في هذا المقال أحاول أن أسجل إعجابي بالفن الجميل الذي تنتجه أنامل هذا الفنان الصادق
يمتلك الفنان سعيد العلاوي العديد من المقومات التشكيلية التي تجعل منه فنان تشكيلي ناجح وأهم هذه المقومات هو الصدق في الطرح والتلقائية في التعبير والسعي الدائم إلى الموائمة بين الماضي والحاضر .
فبالصدق يستطيع الفنان أن ينتشل مواضيعه بتلقائية ويطرحها بطريقة مباشرة بدون تفكير وتمحيص ، فالصدق هنا هو العقل الواعي الذي يحدد الموضوع المراد رسمه والصدق هنا هو اللاشعور الذي يحدد ملامح وعناصر هذا الموضوع والصدق أيضا هي الأنامل التي تنتقي الألوان المناسبة للطرح عندها تظهر العفوية لتحدد اتجاه الخطوط ومدى انكسارها أو ليونتها وميلانها أما التلقائية في التعبير والتي تعدُّ الجسر الذي تمرّ من خلاله شحنات الفنان التشكيلية لتصل إلى بياض سطح اللوحة.
العلاوي يعيد رسم ما تعلق بالذاكرة من نوافذ وأبواب ومشربيات يستمع لذاكرته بإنصات لها غير آبه لما قد يثير اهتمامه من عناصر ورموز معاصرة قد روّج لها كثير من الفنانين .
فهو هنا يصر على رموزه ويصر على إطلاقها من دواخله فيحولها إلى حمائم يدفعها إلى الطيران متى أحسّ بحاجته للرسم فتحطّ على سطح العمل كما هي بدون رتوش.
أمّا قدرة العلاوي على الموائمة بين الماضي والحاضر فهي هاجسه الدائم وأسلوبه في التشكيل فالناظر إلى أعماله يشعر للوهلة الأولى بأنها عصرية وبمساحات لونية متجاورة فيها من الثراء اللوني الشيء الكثير وفي نفس الوقت تحوي العديد من الصور والرموز التراثية والشعبية فالهرموني اللوني قد وزّعه الفنان بطريقة تصميمية مدروسة فأحيانا تجده يضع اللون ويقابله بمكمله وأحيانا يلوّن محاوره الرئيسية بلون ساخن لكي يستثير العين ويحثها عليه وفي نفس الوقت يعطي المساحات الخلفية شيئا من الألوان الباردة الشفافة التي قد تدفع باقي العناصر إلى الأمام وتؤكد عليه .
بالإضافة للمقومات السابقة فالفنان العلاوي فنان مثابر وصاحب رؤية لها حضورها في الساحة الخليجية والعربية تتمحور رؤيته هذه حول الهوية التشكيلية الإسلامية فيتساءل دائما كيف ومتى وأين يستطيع الفنان المسلم أن يطرح قضاياه وأفكاره ورؤاه للآخر دون الاستعانة بأساليب مستورده ولغة متكررة ؟؟
هنا يصبح الفن التشكيلي الموشح بهوية إسلامية ضرورة ملحة ومصير حتمي عند الفنان سعيد العلاوي فالتشبث في الهوية تمثل له مركب الأمان وطوق النجاة في بحر التشكيل في وقت تتلاطم فيه أمواج الأساليب الفنية المقلّدة في محيط التغيّر الدائم .
ومع التمسك بالهوية التشكيلية الإسلامية يصر الفنان سعيد العلاوي على التجديد والابتكار في لوحاته فالتركيبات اللونية التي يطرحها من وقت لآخر وإيجاد حلول جديدة لمنظور اللوحة تعدّ بمثابة دماء جديدة يضخّها الفنان في لوحاته بغرض إمتاع المتلقي وشد انتباهه بروية وهدوء لإقناعه بالمفردات الجمالية الممتعة لكي تكون الفكرة مرتبطة بذهن المتلقي فترة أطول وخاصة لأنها قد تلازمت برموز جمالية أخّاذة .
إذا فالفنان العلاوي يمتلك أدواته التشكيلية ( عناصر التكوين ) بشكل جيد ولديه قدرة على استخدامها وفقا لقواعد تصميمية لا تشكل له عبئا ، فمن ناحية التكوين فيبدوا أن سعيد العلاوي يميل إلى التكوين الرأسي مستخدما أغلب الأحيان الخطوط العمودية المستقيمة والمتعرجة من قاعدة العمل إلى الأعلى ومن المعروف أن الخطوط الرأسية خطوط تعطي إيحاء بالثبات والرسوخ وقد ساعد ذلك الفنان عند رسمه للبيوت القديمة الشامخة وبذكاء فني يصر سعيد على رسم هذه الخطوط وتجميعها في منتصف اللوحة مؤكدا وسط العمل كمحور يختزل العين ويجبرها على التأمل في مكنونات العمل والاستمتاع في ذات الوقت بشفافية المساحات اللونية المجاورة والمؤطرة لكثير من أعماله.
ويستمر العلاوي في استخدام أدواته بشيء من المهارة ويظهر ذلك جليا عند توزيعه للكتل المعتمة والمساحات المضيئة في أعماله فتجده يوزعها بشكل جيد تجذب العين بحيث لا يكثر من الكتل المعتمة فتنفر العين ولا يكثر أيضا من الفواتح فتفقد أعماله التباين المطلوب ومن جهة أخرى يثير العلاوي عيون المتذوقين لأعماله بالملامس المتنوعة والثري فملمس الجدران التي يرسمها تختلف عن ملامس النوافذ أو المساحات الأخرى وتختلف باختلاف الحالة الشعورية التي يمرّ بها حينما يرسم فقدرته على استخدام وتوزيع الألوان تعدّ بمثابة تلخيص لنظرية اللون بأسرها ويتبين ذلك في قدرته على استخدام الألوان في أماكن معينة فمثلا عندما يرسم بلون في جهة نجده يرسم بمكمل هذا اللون في جهة أخرى وعندما يلون العناصر الأساسية بألوان ساخنة نجده يرسم خلفياته بألوان باردة أو بإشباع لوني اقل ويفضل سعيد العلاوي العمل بألوان محددة ( بالته واحدة) قد اختارها بشيء من التأني مستعينا بقدرته على إيجاد متوافقات لونية تخدم الموضوع الذي يود طرحه ففي كثير من لوحات حارات جدة القديمة نجده يستخدم الألوان الترابية في رسم البيوت والنوافذ والمشربيات واللون الفيروزي المائل للأزرق للخلفية التي تمثل السماء والأفق.
كل هذه الهندسة التشكيلية في تسخير الأدوات التشكيلية كالخط والملمس واللون وغيرها مكّنت سعيد العلاوي من الحصول على قيم جمالية تشكيلية مثيرة للعين وجذّابة كالنغم الذي يكرره عادة عند رسمه للوحدات الزخرفية الحجازية التي ينثرها من الأعلى أحيانا على شكل مثلثات متدرجة في الحجم والتي ينفثها في وسط اللوحة أحيانا على شكل ( منمنمات) إسلامية فتتلاشى في فضاء اللوحة مكون’ نغم وموسيقى مثيرة للعين تكاد تنطق بإيقاعات حجازية لها وقعها الخاص على العين وهذه الأدوات أيضا ساعدته على إيجاد التوازن المطلوب في معظم أعماله توازنا ليس بالسمتري إنما توازن يعتمد على توزيع الكتل المعتمة والمضيئة وتوزيع الألوان .
أمام لوحات الفنان سعيد العلاوي تصبح العين قادرة على الاستماع إلى نغم الهوية العربية الإسلامية وتصبح الأذن قادرة على رؤية التفاصيل الدقيقة لتراث الحجاز التليد نثبت لنا قطعا بأن الفنان سعيد العلاوي فنان من الزمن الشفيف .
بقلم الأستاذ / سلمان الحجري
مدرس بقسم التربية الفنية بجامعة السلطان قابوس
صحيفة عكاظ السعودية العدد15203الجمعة5ربيع الآخر1429هـ
الموافق11أبريل 2008م
No comments:
Post a Comment